اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

المسلمون أبرياء من حرق مكتبة الإسكندرية

 المسلمون أبرياء من حرق مكتبة الإسكندرية





كتب د. عبد الرحيم ريحان


اليوم سندخل معًا إلى الحي الملكي السكندري أو البروكيون (البروخيون) والذي كان يشغل حي الأزاريطة في السابق، وقد امتد قديمًا من حي السوما شرقًا وحي دلتا (حي اليهود) غربًا وشارع كانوب جنوبًا، أما من الشمال فكان يحده رأس لوخياس (موقع السلسلة حاليًا)

هكذا تبدأ الدكتورة أمنية صلاح دكتوراه فى الفنون القبطية قصتها معنا عن مكتبة الإسكندرية القديمة وتوضح أن البروكيون يضم الكثير من المنشآت كالقصور الملكية ومقبرة الإسكندر الأكبر ومعبد القيصرون والجمنازيوم (ملتقى رياضي أشبه بنادي الجزيرة اليوم مثلًا) بالإضافة لاحتواءه على الموسيون والمكتبة



والموسيون هو كلمة يونانية تعني معبد ربات العلوم والفنون μοσιονوكان عبارة عن مجمع علمي جمع العلماء من كل أنحاء المعمورة، وخُصصت به مساحة واسعة للمختبرات والمراصد العلمية وحدائق الحيوان ومباني داخلية لسكن الباحثين والعلماء وقاعات لتناول الطعام وغيره بالإضافة إلى مبني المكتبة Bibliotheca de Alexandrina

وتشير الدكتورة أمنية صلاح إلى عظمة مكتبة الإسكندرية فلم تكن أكبر مكتبة في العالم فقط، بل كانت لكونها أقدم مؤسسة ثقافية عامة تابعة للحكومة في التاريخ، فالمعابد المصرية القديمة مثلًا احتوت على مكتبات ولكنها كانت مخصصة للكهنة أما تلك فكانت عامة .. كانت نموذجًا للعولمة لإنها جمعت علوم الشرق والغرب.. الحضارتين الإغريقية والمصرية.



ضمت مكتبة الإسكندرية حوالي 700 ألف مجلد، وكان لزامًا على كل عالِم يدرس فيها أن يترك نسخة من مؤلفاته.. وروي عن الملك بطلميوس الثالث أنه أصدر أمرًا بأن تترك كل سفينة ترسو في الميناء ما حوت من كتب ومجلدات، ويتم نسخها ثم تُحفظ الأصول في المكتبة قصرًا أما النسخ فتعود إلى أصحابها، وكان يتواجد مئة عالم بشكل دائم داخل المكتبة وتتلخص مهامهم في البحث العلمي والجمع والترجمة من كل لغات حضارات العالم القديم مثل فارس وأشور وبابل واللغه العبرانيهة والمخطوطات البوذية

وكانت المكتبة ملتقى لعلماء العالم القديم الذين درسوا بها أو مروا بها.. ففيها دَرَس أرشميدس، واهتدى أريستارخوس لنظرية دوران الأرض حول الشمس، واخترع هيرون الآلة البخارية، وتمت بها الترجمة السبعينية على يد سبعين حَبر من أحبار اليهود من اللغة العبرانية إلى اللغة اليونانية، وفيها ألّف إقليدس كتابه الشهير "العناصر" ومن الجدير بالذكر هنا أن إقليدس قد ولد في الإسكندرية وسمي إقليدس السكندري كما تعلم بها جالينيوس.. أعظم أطباء اليونان الذي طوّر فيها علم التشريح المقارن.. وبالطبع لن ننسى "هيباتيا" السيدة السكندرية العظيمة، أول سيدة تحاضر في الفلسفة والرياضيات وكانت رمزًا للعلم في المدينة ورئيسة المدرسة الأفلاطونية..

نهاية مكتبة الإسكندرية

وتنوه الدكتورة أمنية صلاح إلى أن هناك روايات تتهم المسلمون بإحراقها على يد عمرو بن العاص، وتذكر أنه كان يقوم بتوزيع الكتب على حمامات الإسكندرية لتُحرق في مواقدها!، لكن بعض المؤرخين قاموا بتبرئته مثل الفرنسي "جوستاف لوبون" والمؤرخ الكبير "ألفريد بتلر" الذين قالوا بعدم وجود مكتبة من الأساس في تاريخ دخول المسلمين للمدينة. ورجع أصحاب هذا الرأي في النهاية لرواية "بلوتارخ" المؤرخ اليوناني الذي أرّخ حرب الإسكندرية 48ق م في كتابه life of Caesar، وقال في هذا الشأن أن قيصر أراد إحراق مائة سفينة في الميناء للأسطول المصري فامتدت النيران للمكتبة عن طريق الخطأ وأحرقتها.

بعد حريقها تم نقل ما أمكن إنقاذه من لفائف أمهات الكتب لمكتبة الموسيون (المكتبة الصغرى) وظل الوضع كذلك إلى عام391م في عهد الإمبراطور ثيودسيوس الأكبر الذي أعلن المسيحية دينًا واحدًا ووحيدًا للإمبراطورية الرومانية

بالحقائق المسلمون أبرياء

ويؤكد الدكتور عبد الرحيم ريحان رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية أن حقائق التاريخ تبريء العرب من تهمة حرق مكتبة الإسكندرية، حيث أن مؤرخي العرب الذين ذكروا أن عمرو بن العاص حرق مكتبة الإسكندرية بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه لم يعاصروا فترة دخول العرب المسلمين لمصر عام 642م ونقلوا عن بعضهم البعض دون وجود أصل تاريخي محقق لكل ما نقلوه مما ينفى رواياتهم تمامًا.

من هؤلاء المؤرخين ابن العبري الذي ولد 1226م وتوفى 1286م، والمؤرخ عبد اللطيف البغدادي الذي ولد 1162م وتوفى 1231م، والمؤرخ علي بن يوسف القفطي الذي ولد 1172م وتوفى 1248م"، ولا يوجد أي مؤرخ منهم عاصر دخول المسلمين إلى  مصر

وذكر المؤرخ الفريد بتلر أن يوحنا الذي ينسب إليه ابن العبري قصة حرق عمرو بن العاص للمكتبة مات قبل فتح العرب لمصر بأربعين عامًا مما يؤكد أن الأصول التي اعتمد عليها هؤلاء المؤرخين فى مجرد نقل أخبار الحادثة لا أصل لها وبالتالي فإنهم مؤرخون لم يشاهدوا الحدث بأعينهم ولا يوجد مصدر حقيقي اعتمدوا عليه فى النقل ونقلوا عن بعضهم بمبدأ الحديث المتواتر دون سند تاريخي أو أثرى أو علمي

وأردف الدكتور ريحان أن تاريخ الفتوحات الإسلامية ينفى تمامًا إحراق المسلمين لأية مكتبة تحوى تراث لغير المسلمين ففتحوا القدس فى عهد عمر بن الخطاب عام 637‏م وتركوا مكتبة بيت المقدس‏ الكبرى، وفتحوا دمشق عام ‏635‏م وتركوا مكتبتها الكبرى، وأثناء غزوة يهود خيبر لنقضهم عقد الصحيفة عام ‏628م‏ وانتصار المسلمين كانت صحائف التوراة وكتب اليهود من الغنائم فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتسليمها إلى يهود خيبر.

وأوضح أن هناك واقعة شهيرة حين دخول مصر حيث بعث عمرو بن العاص للخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول له إنه "رأى بمصر أصنامًا فقال له الخليفة أيعبدونها من دون الله؟ قال لا فقال الخليفة دعهم وشأنهم" مما يؤكد حرص العرب الفاتحين على حفظ التراث والآثار والكتب والوثائق".

وتابع أن العديد من المؤرخين أكدوا حرق يوليوس قيصر لمكتبة الإسكندرية عام 48م ومنهم ألفريد بتلر الذي أكد عدم وجود مكتبة الأسكندرية أثناء فتح المسلمين لمصر لإحراقها بواسطة يوليوس قيصر إمبراطور الرومان أثناء النزاع على حكم مصر بين كليوباترا وأخيها بطليموس الصغير الذي حاصر يوليوس قيصر فى القصر الملكي بالإسكندرية وطلب يوليوس قيصر النجدة بقوات من ولايات أخرى تابعة للإمبراطورية الرومانية وأمر بحرق السفن الموجودة على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية حتى لا تستفيد منها القوات المحاصرة له وامتدت النيران لمكتبة الإسكندرية فأحرقتها بالكامل.

وهناك عدة مؤرخين أكدوا حرق يوليوس قيصر لمكتبة الأسكندرية ومنهم بلوتارخ الذي ذكر فى كتاب "حياة قيصر" الذي كتبه فى نهاية القرن الأول الميلادي أن مكتبة الإسكندرية قد احترقت بفعل الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر لتدمير الأسطول المصري المرابط بميناء الإسكندرية، كما أشار المؤرخ الروماني أولوس جليوس فى القرن الثاني الميلادي إلى أن مكتبة الإسكندرية احترقت بطريق الخطأ عندما أشعل بعض الجنود الرومان التابعين ليوليوس قيصر بعض النيران، وفى القرن الرابع الميلادي اتفق المؤرخ أميانوس مرسلينوس والمؤرخ المسيحي أوروسيوس على أن مكتبة الإسكندرية قد أحرقت خطأ بسبب الحريق الذى بدأه يوليوس قيصر.

العبادى وإحياء مكتبة الإسكندرية

عند الحديث عن مكتبة الإسكندرية يجب أن نذكر العالم الجليل الدكتور مصطفى العبادي، أستاذ الآثار والدراسات اليونانية والرومانية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية الأسبق

وهو صاحب فكرة إعادة إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة من خلال مشروع ضخم مشترك بين مصر ومنظمة اليونسكو حتى صارت مكتبة الإسكندرية مركزًا عالميًا للفكر والمعرفة.

وأحد المساهمين في مجال الدراسات اليونانية والرومانية، وأهمها كتابه بعنوان "مكتبة الإسكندرية القديمة.. سيرتها ومصيرها"

حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاحتماعية، وجائزة طه حسين من جامعة الإسكندرية، وجائزة النيل في العلوم الاجتماعية، كما حصل على وسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى، والدكتوراه الفخرية في الدراسات الإنسانية من جامعة كيبيك في كندا.

توفي الدكتور مصطفى العبادي في 13 فبراير عام 2017


google-playkhamsatmostaqltradent