استمرار مسلسل انتهاك المبانى التاريخية بالمحلة "وابور الكهرباء"
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
وتستمر حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان فى حملتها لرصد الإهمال والانتهاك للمواقع الأثرية والمبانى التاريخية بمحافظة الغربية وقد رصدنا 12 موقع حتى الآن.
ويشير الكاتب والمؤرخ مصطفى أبو شامية إلى أهمية وابور الكهرباء ( المعروف بوابور النور) بالمحلة الكبرى الذى أنشىء عام 1925 ويحذر من ضياعه كما وابور مياه الشرب الذى كان نسخة مطابقة منه حيث تم هدمه عام 2014 واليوم تمتد يد الإهمال الشديد إلى وابور الكهرباء الذى يعد من المبانى التاريخية الهامة حيث قامت شركة الكهرباء بتحويله إلى مخازن للخردة وكابلات الكهرباء بالإضافة إلى مكاتب لبعض الموظفين المتكدسين داخل الشركة حيث يتردد عليهم مئات المواطنين يوميًا لقضاء مصالحهم دون الاكتراث بأهمية المبنى والحفاظ عليه.
ويعد وابورى الكهرباء ومياه الشرب بالمحلة من أقدم المنشآت والمبان الخدمية التى حرصت الأسرة العلوية على إقامتها فى مدن مصر المختلفة حيث أقيما على بقعة جميلة وخضراء تحيط به الزهور وأحد فروع الأنهار وكانا بمثابة أول محطة لتوليد الكهرباء وتنقية وتحلية مياه الشرب داخل المدينة.
وينوه المؤرخ مصطفى أبو شامية إلى أن صاحب فكرة أو مشروع وابور الكهرباء هو نعمان باشا الأعصر عمدة المحلة والذى كان صديقًا شخصيًا للملك فؤاد حيث عرض عليه التبرع بجزء من ثروته لمساعدة الحكومة على تنفيذ هذا الحلم لخدمة أهل بلدته وبعد ترحيب الملك تم إسناد المشروع إلى بعض الشركات الأجنبية مثل شركة "برولمان" الألمانية التى تولت الأعمال الكهربائية والميكانيكية للمشروع بينما تولت شركة
" باتريستا " والمقاول " تافرنا " الأعمال الفنية الخاصة بالمنشآت والتى جاءت من حيث الشكل والتصميم على الطراز الإيطالى حيث تم استخدام الطوب الأحمر والكرانيش فى تزيين الشكل الخارجى للمبانى بجانب البناء المبتكر للأسقف والأسطح العلوية التى منحته طابع الأصالة والعراقة.
وبعد الانتهاء من عملية البناء كلف جلالة الملك فؤاد الأول صاحب المعالى وزير الداخلية محمد حلمى باشا عيسى بافتتاح المشروع رسميًا سنة 1925 وكان بصحبته المهندس صاحب العزة محمد بك عرفان رئيس إدارة البلديات واللجان المحلية.
وتابع المؤرخ الشهير مصطفى أبو شامية بأن الكثيرون من أبناء المحلة ولا المسئولين لا يعرفون أن وابور المياه الذى تم إزالته كان وراء استمرار وجودهم وإنقاذ حياة أجدادهم منذ سنوات بعيدة مضت وبالتحديد عندما ضرب وباء الكوليرا مصر سنة 1947 للمرة الثالثة كان الناس يهربون إلى أعلى الدلتا بحثًا عن الحماية والاستشفاء لأن معظم القرى والمدن المصرية فى الصعيد كانت تعتمد فى مياه الشرب على مياه الترع والطلمبات الحبشية التى تحولت إلى بيئة حاضنة لوباء الكوليرا الذى نقله أحد عساكر الانجليز القادمين من الهند والذى أدى إلى وفاة نحو 20 ألف شخص فى ذلك العام فقط.
لكن وابور المحلة نجح فى توفير مياه الشرب النظيفة لأهالى المدينة وكانت مراحل تنقية وتحلية المياه لا تقل عن 8 ساعات يوميًا باستخدم الرمل والزلط والشبة بجانب استخدام الكلور لقتل الميكروبات مما أدى لانحصار مرض الكوليرا بشكل كبير داخل المحلة، كما كان هناك معمل قديم لتحليل العينات ونسب السمية ولكن للأسف تم هدمه مع وابور المياه منذ 9 سنوات فقط من أجل بناء محطة جديدة بقدرات أكبر بتعليمات من رئيس الشركة رغم أنها تراث نادر مر عليه أكثر من 90 سنة وتحفة معمارية وإنشائية بشهادة البعثة الفرنسية التى زارت وابور المحلة عام 2009 وضمت عدد من خبراء مياه الشرب فى إطار اتفاقية التعاون المشترك بين مصر وفرنسا وأمريكا فى هذا المجال.
وقد أصيب الوفد الفرنسى بحالة من الذهول والدهشة فور رؤيته للطراز الفريد والنادر لوابور المحلة ولم يصدقوا أن هذه المحطة التى يقترب عمرها من مائة عام مازالت تعمل بأسلوب الأحواض والمرشحات التى تعد أفضل وسط ترسيبى فى العالم.
وسارع أفراد الوفد بإخراج معدات التصوير التى لديهم لالتقاط الصور التذكارية والفيديوهات لكل أجزاء المحطة على مدار أكثر من ساعة ونصف .. وقالوا أنهم سيدعون زملائهم المهندسين والخبراء والباحثين لمشاهدة جميع الصورعقب العودة لحثهم على زيارة وابور المحلة والتعرف على الطريقة المتقدمة التى كانت تدار بها المحطة فى تلك الفترة البعيدة من الزمن ودراسة أسلوب البناء البديع الذى كان ينافس القصور والمبان الفخمة فى أوروبا .
وفجر أحد المهندسين بالشركة مفاجأة عندما أشار بأن المحطة الجديدة التى تم بناؤها حاليا على أنقاض المحطة القديمة كان يمكن إقامتها فى مكان آخر بديل خاصة أن هناك أراضى شاسعة بجوار وابور المياه والكهرباء بالمحلة ملكا للدولة، وذلك بدلًا من هدم هذه
المحطة التاريخية .
وناشد المسئولين ورجال الآثار بالتدخل فورًا لإنقاذ وابور النور المجاور للمحطة قبل القضاء عليه هو الآخر.
بينما يشير محمد الخطيب رئيس محطة " كهرباء منطقة المنسوب الأسبق " إلى أن وابور النور الحالى يعد تحفة فنية وتم تصميمه بشكل غريب فهو يحتوى على أكثر من 20 باب بعضهم بأحجام عملاقة لتسهيل دخول أى معدات ضخمة فى المستقبل وأيضا سرعة الخروج والهرب فى حالة الطوارىء وحدوث أى خطر ويوجد به عدد ضخم من البدرومات تحت الأرض تستخدم فى عمليات التخزين.
أمّا الشبابيك فهى بارتفاع 4 أمتار وباتجاهات وزاويا معينة لدرجة أن العمال فى فصل الصيف يجلسون وكأنهم على البحر بسبب تيارات الهواء الطبيعى بينما يتحول الجو فى الشتاء إلى دفء شديد داخل المبنى دون أن معرفة مصدر أو سبب ذلك .
وكان يوجد بها 6 توربينات ديزل عملاقة بداخلها سبائك نحاس من أنقى الأنواع ويدخل فى صناعة بعض أنواع الذهب لكنها بيعت كخردة عام 96 رغم أن قيمتها بأسعار اليوم قد يتجاوز الملايين ، ويشير الخطيب أن أجهزة الوقاية ومعامل القدرة التى كانت موجودة داخل محطة الكهرباء تفوق فى جودتها ودقتها أجهزة اليوم بمراحل.
ويطالب الخطيب بضرورة إغلاق وابور الكهرباء بالمحلة وسرعة ترميمه من أجل استغلاله كمتحف للمحلة أومزار سياحى مثلا لأنه تحفة معمارية وتاريخية لن تتكرر.
وتؤيد حملة الدفاع عن الحضارة دعوة الأستاذ محمد الخطيب وتطالب الجهات المعنية والسيد الأستاذ الدكتور رحمى محافظ الغربية لإنقاذ وابور الكهرباء حتى لا يلقى مصير وابور المياه من الهدم والضياع.








