استمرار مسلسل إهمال الآثار الإسلامية بالمحلة "منارة جامع التوبة"
كتب د. عبد الرحيم ريحان
لم يكن أهل المحلة يفيقون من صدمة مسجد المتولى الأثرى الذى تتعرض جنباته للشروخ والتصدعات وخطر مياه الصرف الجوفية يومًا بعد الآخر، حتى فوجئوا بكارثة أخرى جديدة تهدد جامع التوبة الذى يقع بمنطقة سوق اللبن حيث تعرضت تربته لهبوط حاد أدى إلى إصابة جميع جدران المسجد بالشروخ والتصدعات أيضا
وتستمر حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان فى حملتها لكشف مواطن الإهمال فى المواقع الأثرية والمبانى التاريخية بمحافظة الغربية وقد رصدت 11 موقع حتى الآن
ويشير الكاتب والمؤرخ المعروف مصطفى أبو شامية إلى أن الخطر الأكبر الذى يخشاه الجميع ورجال الآثار بالمحلة الكبرى أن يتسبب هبوط مسجد التوبة في حدوث ميل جديد بمنارة المسجد التي تعد واحدة من المآذن الفريدة على مستوى العالم وتحفة معمارية نادرة الجمال وتم تسجيلها كأثر بالقرار الوزارى رقم 10357 بتاريخ 21 / 11 / 1951م ونشر بجريدة الوقائع المصرية بالعدد رقم (115 ) بتاريخ 17 / 12 / 1951م،
ورغم اختفاء معالم المسجد القديم لكن لم يتبق من عمارته الأصلية سوى المنارة التي يعود تاريخها إلى العصر المملوكى ودار حولها الكثير من الأساطير والحكايات، حيث قام الأهالى بدون وعى ببناء مسجد متواضع فوق أنقاض المسجد القديم لا يمت للجمال وفنون العمارة الإسلامية بأى صلة، مما أدى إلى وجود فراغات بسبب وجود الأعمدة والكتل الحجرية بباطن التربة وهو ما ساهم في الحالة المتردية التي وصل إليها الآن
وينوه المؤرخ مصطفى أبو شامة إلى تعديات الأهالى على حرم المسجد والمنارة باستقطاع أجزاء من الشارع وبناء عدة منازل عشوائية أخفت الكثير من معالمها في غياب القانون والمحليات، وفشلت كل محاولات إخراجهم لإعادة ترميم وإحياء المسجد بكل عناصره القديمة ، خاصة وأن هناك صور من لجنة حفظ الآثار العربية يعود تاريخها لسنة 1933 ويمكن الاستعانة بها في عملية إعادة البناء مرة أخرى حيث وضع رجال الآثار خطة لتفكيك وترقيم المئذنة وإعادة بنائها مع المسجد القديم بعناصره الموجودة بباطن التربة ولكن بسبب غياب الدعم من وزارة السياحة والآثار والأوقاف وعدم استجابة الأهالى بالانتقال لشقق بديلة حيث عرضت المحافظة عليهم منذ عدة سنوات شقق لثلاث عائلات تقطن بجوار المسجد لكنهم مصممين في الحصول على شقة منفصلة لكل فرد داخل العائلة!! وهو ما أدى لعرقلة انقاذ المسجد الذى أصبحت مئذنته التاريخية النادرة في طريقها للانهيار مما قد يتسبب في كارثة إنسانية وحدوث إصابات ووفيات في حال سقوطها
وعن تاريخ إنشاء مسجد التوبة يوضح المؤرخ مصطفى أبو شامية أنه أنشىء فى الفترة ما بين عامي 899 / 905 هـ، 1493/ 1499م وبناه الشيخ أحمد بن محمد بن عمر الشهاب أبو العباس بن الشمس أبى عبد الله الغمرى الأصل ثم المحلى ويعرف (بأبى العباس الغمرى ) مات والده وهو فى سن المراهقة، وحفظ القرآن ونبغ في العلم وانتدب لجامع أبيه في صندفا بالمحلة وبسوق أمير الجيوش بالقاهرة فزاد فيهما زيادات كثيرة، ثم أنشأ بطرف المحلة جامعًا كان موضعه موطنًا للفساد لذا أطلق عليه مسجد التوبة لتطهير المنطقة من الموبقات، وقد عرف عن الشيخ أحمد الغمرى حبه لبناء الجوامع وتعميرها مثل والده حتى قيل أنهما قاما ببناء وتجديد خمسين مسجدًا وزاوية بكثير من الأماكن كانت قد اندثرت أو أشرفت على الضياع، وسعى فى لقائهما السلاطين والملوك والأمراء لطلب العلم والمشورة.
تخطيط المسجد القديم كان من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربعة إيوانات ولكن أزيل المسجد ولم يتبق من عمارته الأصلية سوى المنارة وهى الوحيدة الباقية من منارات العصر المملوكى المشيدة بالحجر فى الوجه البحرى حيث إنها منحوتة من الأحجار وبها سلم داخلى على شكل مروحى منحوت داخل جدران المئذنة، أمّا الجزء العلوى (الخوذة) فتم تجديده فى العصر العثمانى سنة 1848م، ويشمل شرفة المؤذن المثمنة والمقرنصات الحاملة لها ثم بدن أسطوانى تعلوه رقبة أسطوانية يعلوها قمة مخروطية من الخشب ومادة البناء به الطوب ومونة القصروميل..
ويروى المؤرخ مصطفى أبو شامية حكايات متداولة فى الموروث الشعبى عن وجود سرداب قديم يقع أسفل المنارة عرضه 4 م وطوله 8كم يصل تحت الأرض إلي مدينة سمنود وكان المماليك يشنون الهجمات علي المحلة من ذلك النفق ويسلبون مالها وأسواقها ويصبح الناس فيجدون أموالهم وبضائعهم قد سلبت دون أن يعرفوا شيئًا عن اللصوص ولا كيف تمت عملية السلب، ولكن ثبت عدم دقة هذه الرواية حيث تبين عند معاينة المسجد سنة 1899م أنها فتحة لقناة مقبية كانت تمتد من جامع التوبة حتى ترعة المعاش التى كانت تمر فى شارع سعد زغلول لتمد صهريج المسجد بالمياه بما يفي حاجة المسلمين



