وكالة بازرعة تحفة فنية معمارية بالجمالية
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
وكالة بازرعة أو وكالة الكيخيا تقع بشارع التمبكشية بمنطقة الجمالية بحي الأزهر موطن إبداعات أديب نوبل نجيب محفوظ
"بين القصرين".."قصر الشوق".."السكرية".. ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة التي أكدت تأثره بحياة الحارة المصرية وقد برع في تجسيدها بشكل استثنائى متفرد حيث نسج خيوط الحارة في أعماله وكأنه ينقل الحياة الطبيعية بكل تفاصيلها للقاريء ورأى الكثيرون أن ذلك الإبداع بسبب نشأته في تلك المنطقة الساحرة حي الجمالية العريق.
بنيت وكالة بازرعة فى العصر العثماني القرن 11 هـ، 17م ونسبها المؤرخون إلى حسن كتخدا الملقب بـ"الكيخيا"، وكلمة كتخدا لفظ تركي - فارسي أصله كدخدا ومعناه "رب الدار" وأصبح فيما بعد لقبًا بمعنى حاكم أو عمدة وورد ذكره في بعض المصادر كتختا وأحيانا كيخيا أو كيخا.
وأطلق على أمراء الأقاليم في الدويلات الإسلامية الشرقية وفي العهد العثماني هذا اللقب واعتمد رسميًا فأصبح يطلق بصفة أساسية على كل معاون أو مساعد للموظف الكبير في الدولة.
كانت الوكالة معدة لبيع الأخشاب وظلت معروفة بهذا الاسم حتى أواخر القرن التاسع عشر حين اشتراها محمد بازرعة وهو تاجر من أصل حضرمي ثم أطلق عليها اسم «وكالة بازرعة» وخصصها لبيع الصابون النابلسي والبن اليمني.
تنتظم عناصرها المعمارية حول فناء أو صحن مستطيل مكشوف طبقًا للأسلوب المعمارى فى العصر المملوكي، وتتكون الوكالة من جزءين، الأول تجاري يضم حواصل حول الصحن بالطابقين الأرضي والأول بالإضافة إلى المحلات التجارية التي تطل على الواجهة الرئيسية للوكالة في شارع التمبكشية بالطابق الأرضي.
الجزء الثاني خاص بالسكن ويتكون من طابقين أعلى الحواصل، وتتكون كل وحدة سكنية من طابق أول فيه مدخل ودورة مياه ومطبخ صغير وسلم وقاعة استقبال ومعيشة بارتفاع طابقين.
ولها مدخلين، المدخل الرئيسي المؤدى إلى فناء الوكالة، ومدخل خاص يؤدي إلى الوحدات السكنية العلوية ولا يتصل بالصحن، ويتم الصعود من خلاله إلى الأدوار السكنية مباشرة مراعاة للخصوصية وفصل حركة التجارة عن حركة النزلاء.
ويقع المدخلان على واجهة الوكالة الشمالية، أما بقية واجهات الوكالة فهى ملاصقة لمبانٍ مجاورة، وتعد كتلة المدخل آية فى الجمال اتساعها 5.40م ويتوجها عقد موتور "نصف دائري" ويعرف بهذا الاسم نسبة إلى الوتر وله عدة أشكال من حيث التناسب مع الوتر أو مقدار سهمه بالإضافة إلى نوع العقد ونوع البناء.
والعقد مكون من صنجات حجرية والصنج المعشة عبارة عن قطع حجرية أو رخامية يتداخل بعضها في بعض بواسطة التعشيق أو التزرير في أشكال عديدة، ويتصدر كتلة المدخل فتحة تضم الباب الرئيسي المكون من ضلفتين (درفتين) خشبيتين خاليتين من الزخارف، ويحيط بكتلة المدخل والباب الرئيسي "جفت لاعب" وهو نوع من الزخرفة انتشر في العصر المملوكي والعثماني باستخدام حرف الميم بطريقة هندسية وهنا شكلت ميمات سداسية.
صحن الوكالة 27.65م طولًا، 10.75م عرضًا، جدرانه الأربعة عبارة عن بائكات، كل بائكة مكونة من صفين من العقود يعلو كل منهما الآخر، وتحمل هذه البوائك دعامات حجرية مربعة تمثل واجهة الممر الذي يتقدم الحواصل الموجودة بالصحن بالطابق الأرضي والأول، ويوجد فوق حواصل الدور الأول رفرف خشبي مزخرف في واجهته بزخارف نباتية وهذا الزخرف محمول على كوابيل خشبية، والكابولى مسند بارز من حجر أو خشب يركز فى جدار ليحمل الشرفات أو العقود.
وتطل الأجزاء السفلية على الصحن عن طريق فتحات نوافذ يغلق على كل فتحة إمًا شباك حجاب من الخشب الخرط أو مشربية خشبية من خشب الخرط ويحمل كل مشربية مجموعة من الكوابيل الخشبية، وقد استخدمت الأحجار القوية في بناء الدور الأرضي والأول للوكالة كحوائط حاملة، أما باقي الوكالة فبني من الآجر الأحمر (الطوب أو القرميد الأحمر) وغطي بطبقة من الجير (الكلس)، كما استعمل في واجهة الوكالة وواجهة الطابق الأرضي والأول من الداخل التشكيل اللوني "المشهر" وهو استخدام اللونين الأصفر والأسود في طلاء الحجر وهو نوع من الزخرفة استخدم منذ بداية العصر المملوكي.
تمت أعمال ترميم بالوكالة بتكلفة خمسة ملايين جنيه وتقرر تحويلها إلى مركز دولي للحرف التقليدية والفنية وتضمنت أعمال الصيانة ترميم معمارى وترميم دقيق للجدران والحوائط وتنظيف قطع الأرابيسك من مشربيات ونوافذ وأبواب ودهنها بمواد تحافظ على طبيعة الخشب ولا تؤثر في طبيعته الأثرية وتغيير بلاط البائكات التي تآكلت بفعل الزمن مع عزل للرطوبة بالأرضيات بالطابق الأرضي والسطح، وفك الأرضيات الحجاري والمعصراني ووضع أرضيات جديدة بدلًا منها على دكة من الخرسانة بالطابق الأرضي مع إصلاح السلالم داخل المبنى وإعادة إقامتها.
واستخدام المون التقليدية من الجير والرمل أو الجير والرمل والحمرة أو الجير والرمل والقصرمل في عملية الترميم وإعادة البناء والبياض طبقًا للأصول الأثرية بعد عمل الدراسات اللازمة على عينات من الموقع بالمختبر بالأشعة السينية.
وعمل مشروع إنارة للمبنى بأسلوب يتناسب مع طابع وأصالة المبنى وقيمته التراثية وهى مسجلة ضمن الآثار الإسلامية برقم 398، وتم تنفيذ مشروع ترميم المبنى من خلال إحدى الشركات الوطنية وتحت إشراف المجلس الأعلى للآثار وتم افتتاح المبنى بتاريخ 18 مارس 2001م.





