"الهناء أو العافية" في العالم الرقمي
ترجمة- د. محمد السعيد أبو حلاوة
"الهناء أو العافية" في العالم الرقمي
ترجمة- د. محمد السعيد أبو حلاوة
تقديم : سوزان سعد
كيف يمكن للتكنولوجيا أن تصبح جزءًا من الحياة السعيدة باحثون يستقصون ما الذي يمكن أن يبدو عليه الهناء أو العافية في العالم الرقمي .
كيف يمكنك تنمية وتعزيز طيب حياتك الرقمية أو "عافيتك الرقمية" How to boost your digital wellness؟:
بمجرد أن تتمكن من تحديد مجال الهناء أو العافية أو طيب الحياة الرقمية الذي تريد تحسينه، عليك أن تبادر بالتخطيط لإحداث هذا التحسين وعمل تغييرات نوعية لتكوين ثقافة رقمية إيجابية في حياتك.
وفيما يلي مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك في تحقيق الازدهار الرقمي وتضمين مؤشراته في حياتك الشخصية:
1- الإنتاجية والإثمار Productivity:
يستلزم الإثمار والإنجاز والإثمار رغم التواجد في عالم الحياة الرقمية أن يتوجه الشخص بصورة تلقائية نحو الابتعاد عن أو على الأقل خفض كل ما يمكن أن يشتته ويلهيه، علاوة على احتفاظه بتركيزه وانتباهه، وإحداث نواع من التوازن الرشيد بين العمل ـ الحياة.
فإذا كنت تقوم بأداء مهمة ما وتوقفت للنظر في هاتفك الجوال على سبيل المثال يستغرق ذلك مجرد ثانيتين لقراءة الرسالة النصية، إلا أن هذا الأمر قد يجعلك أكثر عرضة لارتكاب أخطاء ربما بالغة السوء ومضاعفة.
والأسوأ من ذلك أن الأمر قد يستغرق 11 دقيقة في المتوسط للعودة مرة ثانية لتنفيذ المهمة السابقة التي كنت تقوم بأدائها، ومن ثم فإن تقليل عوامل التشتيت أثناء أدائك لمهام عملك عن طريق إيقاف تشغيل الإشعارات كل الإشعارات على هاتفك الجوال أو الذكي أمرًا حتميًا.
2- البيئة Environment:
من المهم جدًا لضمان سلامة وربما استدامة صحتك الجسمية والنفسية أن يحتويك مكانًا آمنًا مريحًا سواء في الحياة الاعتيادية أو أثناء الاندماج في التفاعلات والاستخدامات الرقمية؛ ذلك لأن الفوضى وعدم التنظيم يبث التشتت والتشويش في حياتك.
ولكي تضع لنفسك منطلقات للنجاح عليك أن تصيغ حدود وأولويات رقمية digital boundaries مفيدة لك وأن تحرص على انتظام واستدامة تواصلك بوضوح مع أعضاء أسرتك واتصالاتك في العمل والتعبير بصورة مباشرة عن هذه الحدود على سبيل ممنوع أن يتواصل معك أي من زملاء العمل في أوقات معينة أو خارج نطاق العمل أو في أيام معينة أو أثناء الإجازات، أو ممنوع أن يتصل بك أحد من أفراد أسرتك أثناء أدائك لمهام العمل، وتستلزم الحدود الرقمية الوضوح والعلانية وتضمنها كذلك المسائلة الشخصية ومسائلة الآخرين.
3- التواصل Communication:
نوعت وعددت التكنولوجيا البدائل المتاحة أمامنا للتفاعل الاجتماعي لكنها وفي نفس الوقت أفضت إلى تحديات ومشاق ومتاعب، منها ظاهرة "الفوبينج Phubbing " أو التعرض للازدراء الهاتفي والتجاهل.
وأشار (Gil, 2019) إلى أن phubbing يمثل انشغالاً قهريًا بالهاتف النقال والأجهزة الذكية أثناء التفاعل مع الآخرين، ويؤصل لما يعرف بظاهرة الازدراء ـ الهاتفي phone-snubbing بما يعني أن انشغالك وولعك بالانتباه إلى هاتفك الجوال أثناء التفاعل مع شخص آخر فيه إهانة وازدراء له دون أن تدري، ويعبر عن افتقادك للاحترام والذوق وينقل رسالة للطرف الآخر أن الأجهزة الذكية لها أهمية في حياتك أكثر من أهمية الآخرين.
وأضحت هذه الظاهرة وباءً اجتماعيًا ظاهرًا في الوقت الحاضر فغالبًا وعند تواجدك في سياقات اجتماعية وأثناء تفاعلك مع شخص آخر يأتيه إنذارات وتنبيهات ورسائل على هاتفه الجوال فينصرف تمامًا عنك ويتجاهلك بصورة تام ويركز انتباهه في هاتفه النقال الذكي وربما يجري مكالمات هاتفية لمدة طويلة من الوقت كأن لا وجود لك على الإطلاق في موقف التفاعل، إنه ينقل لك رسالة أن هاتفه النقال أهم منك في تكوينه النفسي. ولغرابة الموقف قد تنتهي نوبات الانشغال القهري هذه بالهاتف النقال أثناء التفاعل مع الآخرين بجملة "أنا آسف" إلا أنها جملة لا يلتئم معها جرج ولا تعيد طبيعة العلاقة إلى ما كانت عليه.
وإذا كان الأمر كذلك فابحث عن طريقة لطيفة للإشارة إلى ما تشعر به حيال تعرضك للازدراء والتجاهل وربما تمثل الفكاهة وروح المرح طريقة رائعة للتعبير عن استيائك ومن ثم لفت نظر من يمارس معك هذه الظاهرة بلطف.
4- العلاقات Relationships:
يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته وتطبيقاته المختلفة مصدرًا أساسيًا للضيق والخوف والإزعاج والمشقة والمقارنة الاجتماعية خاصة في سياق العلاقات الهامشية السطحية، وربما الوقحة وغير المهذبة.
ويتمثل الحل في أنه بدلاً من التركيز على كمية واتساع نطاق العلاقات، عليك أن تدلف بصورة مباشرة وعميقة في نوعية وجودة تواصلك وعلاقاتك وارتباطاتك بالآخرين وأن تكون قاصرة على كل ما يمكن أن تطمئنك إلى ذاتك معهم وترقيا معًا، علاوة على حتمية إيقاف تواصلك مع الناس أو الصفحات والجماعات التي لا تضيف لحياتك معنى وقيمة.
5- الصحة النفسية Mental health:
يوجد في أدبيات تكنولوجيا المعلومات الرقمية والشبكات والتطبيقات الرقمية ما يعرف باستراتيجية "الغواية للتصفح والمتابعة" أو "الاستمالة والإغراء باستدامة التصفح والتعرض"، وما يجدر التنويه إليه أن تأثيرات الحياة الرقمية والتكنولوجيا الرقمية على حياتنا وعلى صحتنا النفسية تتوقف على كيفية استخدامنا لها، باستدامة الاتصال والانصياع لغواية وإغراء التمرير والتصفح على وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإخبارية يفضي إلى متاعب نفسية كثيرة وإجهاد رقمي واسع النطاق يقلل من القوة العقلية في واقع الأمر، الأمر الذي يدعو إلى أن يراجع كل منا ذاته.
6- الصحة الجسمية Physical health:
زاد استخدام أدوات ومنصات ووسائل التواصل الرقمية بصورة كبيرة وصلت إلى (46%) مع بداية جائحة مرض كوفيد – 19 ، ونتيجة لذلك ارتفعت أوجاع الظهر وآلام الرقبة بنسبة 50%. ويستلزم الأمر أن تنتبه جيدًا لطريقة جلستك وطبيعة المكتب أو المنضدة والكرسي الذي تجلس عليه وأن تتأكد من الارتفاع المناسب للشاشة لتجنب التحديق والانحناء.
7- الذات الكمية "أو الذات المكممة" Quantified self:
التكميم أو إضفاء الطابع الكمي على الذات طريقة للسعي إلى فهم ذاتك من خلال التكنولوجيا من خلال استخدام أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية أو متتبعات البيانات بتطبيقاتها المختلفة لتحسين الحالة الصحية.
ورغم جدة مفهوم "الذات الكمية" في عالم الحياة الرقمية إلا أن مقدمي الخدمات الصحية على وجه الخصوص ومن المنظور التقني الرقمي يوصون باستخدام الشخص لمقاييس ضغط الدم ومعدل ضربات القلب والسعرات الحرارية، إلى ما يعرف بالتتبع والحركة الذات لتمكين الأفراد من مراقبة بياناتهم الجسمية وفهمها.
8- المواطنة الرقمية Digital citizenship:
لا ريب في أن تأسيس الشخص لحياة رقمية ذاتية ذات طابع مدني ملتزم بآداب الرقة والذوق والانتماء والتواد أمرًا أساسيًا في تأسيس ما يعرف بالحوارات المدنية الرقية والمهذبة علاوة على آداب الحساسية الثقافية في التواصل مع الآخرين عبر الإنترنت ومنصات ووسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومعالجة المعلومات.
ويتصف الشخص ذو المستوى المرتفع من التوجه نحو المواطنة الرقمية بعديد من الخصال الإيجابية منها احترام الخصوصية ومعرفة حدوده والوعي بكيفية التواصل الإلكتروني القائم على الاحترام واللين والذوق، ولديه مستوى مرتفع من القدرة والمهارة على تحليل وتقييم المعلومات المنشورة على هذه الوسائل في ضوء بعدي الصدق والموثوقية والفائدة والإثمار ومن ثم يتعامل معها بوعي شديد، فضلاً عن قدرته على التواصل مع مختلف أنواع المتابعين بطرائق تقر وتعترف بالتنوع والاحتواء.
ومن دلائل المواطنة الرقمية وعي الشخص بما يعرف ببصمته الرقمية في العالم الافتراضي أو العالم الرقمي في إطار صورته الشخصية فكرًا وانفعالاً وسلوكًا ومظهرًا وبما يستلزم منه أن يزيل وبصورة فورية ومباشرة أي معلومات شخصية من على شبكة الإنترنت لم يعد يرغب في مشاركتها.
خاتمة:
ما أشير إليه مجرد اقتراحات تمثل نقطة بداية فقط لتنمية وتعزيز العافية أو الهناء في العصر الرقمي، ولمعرفة المزيد من الاستراتيجيات الأكثر فاعلية في هذا الصدد ربما من المهم التعرض لبرامج تدريبية مكثفة منها على سبيل المثال برنامج "العافية الرقمية 101 Digital Wellness 101" والذي تم تصميمه بالشراكة مع شركة بور للتعليم وجامعة أثاباسكا وبرنامج التدريب بمعهد العافية الرقمية المصمم للمدربين ومسؤولي التعليم والمعلمين.
ورغم أننا جميعًا نعلم أن التكنولوجيا والتكنولوجيا الرقمية على وجه التحديد جزءً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إلا أننا نمتلك القدرة على التحكم في كيفية توظيفها واستثمارها للوصول إلى "الازهار الرقمي"، بدلاً من الوقع في هاوية الإلهاء وتضييع الذات وتمييعها بلا غاية وبلا هدف وبلا إنجاز، ويتأتى مثل هذا الازدهار من خلال تنمية وتعزيز الهناء والعافية الرقمية أو طيب الحياة الرقمية والاستفادة المثلى من التكنولوجيا الرقمية والبدء في تأسيس مستقبل أفضل.
التعريف بكاتبة المقال إيمي بلانكسون Amy Blankson:
تخرجت إيمي بلانكستون من كلية هارفاد لإدارة الأعمال وشاركت في تأسيس معهد الهناء أو العافية الرقمية، وركزت في دراساتها البحثية وفي حياتها المهنية على إيجاد التوازن في الحياة الرقمية، ويعد كتابها "مستقبل السعادة: 5 استراتيجيات من أجل تحقيق التوازن بين الإنتاجية والهناء في العصر الرقمي" من أهم مؤلفاتها ويدرج تحت مسمى
فئات "الكتب الأكثر مبيعًا
" The Future of Happiness: 5 Modern Strategies for Balancing Productivity and Well-Being in the Digital Era..
المصادر:
1- Amy Blankson (2021). How Technology Can Be Part of a Happy Life: Researchers are exploring what wellness looks like in a digital world: https://greatergood.berkeley.edu/article/item/how_technology_can_be_part_of_a_happy_life
2- Digital Flourishing Survey: https://www.digitalwellnessinstitute.com/flourishing-survey