« الحب هبة السماء» تسكبه الطبيعة في كأس الحياة
« الحب هبة السماء»
تسكبه الطبيعة فى كأس الحياة
كتبت - دكتوره ميرنا القاضي
قال المصريون قديما عن الحب إنه «هبة السماء تسكبه الطبيعة فى كأس الحياة لتلطف مذاقها المرير»، فكانوا أول من تفاخر بعاطفة الحب وخلدوها فى عالم الأحياء على جدران معابدهم وأحجارهم وفى «قصور الأبدية»فهم أبدع من عبّروا عن الحب فى كل صوره.
وجسّدوا الحب فنًا فى نحت التماثيل
ونظموا الحب شعرًا فى قصائد خالدة وأدبًا فى القصص والأساطير ومن أشهر القصص التى تجمع بين قلوب العاشقين.
قصة الحب الشهيرة بين الملك أمنحتب الثالث والملكة تيى، وهى القصة التى تحدت العادات والتقاليد، ومن أجلها أمر بتغيير القوانين المقدسة لكهنة آمون، حيث كانت «تيى» من خارج الدماء الملكية ولا يجوز زواجهما، ومن أجلها أمر بإنشاء بحيرة شاسعة لمحبوبته العظيمة، ومن أجلها أيضا أمر بإقامة معبد كرسه لعبادتها فى منطقة صادنقا،جنوبى وادى حلفا.
وتزوج الملك أمنحتب الثالث فى السنة الثانية لحكمه من الملكة «تيى»، ولم يكن لها أصول ملكية، ولكن والدها ووالدتها كانا يشغلان مناصب راقية فى الدولة، وأنجبت له أمنحتب الرابع، خليفته، الذى آمن بالإله الواحد ومثله فى الشمس (آتون) كعاطية للحياة، وأسمى نفسه إخناتون ومعناه «المخلص لآتون».
ويشهد بهو المتحف المصرى فى القاهرة على وجود تمثال عملاق للملك تجلس
إلى جواره محبوبته «تيى» بنفس الحجم
في دلالة فنية على علو الشأن وعظيم الحب.
كما خلد معبد أبوسمبل أعظم قصص الحب التى جمعت بين الملك رمسيس الثانى وزوجته نفرتارى (جميلة الجميلات) والتى أطلق عليها فى مصر القديمة (المحبوبة التى لا مثيل لها والنجمة التى تظهر عند مطلع عام جديد رشيقة القوام والزوجة الملكية العظمى مليحة الوجه الجميلة ذات الريشتين)، حيث بنى لها رمسيس الثانى معبد أبو سمبل الصغير بجوار معبده وأعد من أجلها بوادى الملكات أجمل مقابر تصور الملكة المحبوبة مرتدية ثياب الكتان الناعم، وتزدان بالحلى الملكية النفيسة تصاحبها الآلهة.
لكن كيف كان المصريون القدماء يعبرون عن حبهم للطرف الآخر؟
لقداحتفى المصرى القديم بمحبوبته وعشيقته وزوجته وكان يعبر عن عواطفه تجاهها فى احتفالية يطلق عليها (الوليمة)
وتحتوى مقابر الجيزة وسقارة ومقابر النبلاء غرب الأقصر على عشرات اللوحات التى تسجل احتفاء المصرى القديم بمحبوبته وتقديمه الزهور لزوجته ومعشوقته.
أن الزهور كانت تحظى بمكانة كبيرة فى نفوس المصريين، وكانت زهرة اللوتس هى رمز البلاد كما كان يقدمها المحبوب لمحبوبته وتزخر مقابر مدينة الأقصر بالصور المرسومة على جدرانها واكتشف عشرات النصوص التى سجلها القدماء على أوراق البردى وقطع الأوستراكا والتى تحتوى على ما كتبوا للتعبير عن لوعتهم وعن حبهم ومشاعرهم تجاه محبوباتهم.
ولقد عرفوا المصريين القدماءبما يسمى قصائد الغرام فى نصوصهم الأدبية، كما أعطوا مكانة كبيرة للقلب وكانوا يعتقدون أن القلب هو مركز الحياة الجسدية والعاطفية. وأشارت إلى أن هناك 350 مصطلحا مصريا قديما يتحدث عن القلب ومكانته، فى حين عبرت بردية شستر بيتى عن مشاعر الحب فى قصيدة
«العاشقة العذراء» والتى تقول:
لقد أثار حبيبى قلبى بصوته.. وتركنى فريسة لقلقى وتلهفى.. إنه يسكن قريبًا من بيت والدتى.. ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه.. ربما تستطيع أمى أن تتصرف حيال ذلك.. ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها.. إنه لا يعلم برغبتى فى أن آخذه بين أحضانى.. ولا يعرف بما دفعنى للإفصاح بسرى لأمى.. إن قلبى يسرع فى دقاته عندما أفكر فى حبى.. إنه ينتفض فى مكانه.. لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدى ملابسى.. ولا أضع المساحيق حول عينى.. ولا أتعطر أبدا بالروائح الذكية.
ومن قصائد الحب والغزل ايضا في مصر القديمة
حبيبتي هناك على الشاطئ الأخر
يفصـل بينـي وبينها مــاء الفيضــان
وعلى رمال الشاطئ تمساح يربض متربصة
ولكننــــــــي لا أخشـــــــــــاه ولا أرهبــــــــــه
وسأخوض الماء حتى أصل إليها فينشرح صدري
وأفتـــــح ذراعــــي لأحتويهـــا بيــــن أحضـــانـــی
ولا زال هناك الكثير مما نجهله عن أسرار الحب فى وجدان الأجداد، فلم تعلن بعد الكلمة الأخيرة فى التاريخ المصرى وكل يوم يحمل مفاجآت وحكايات.