اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

وصال ... دلال

وصال ... دلال 



قصة قصيرة بقلم : مايسة إمام 


شقيقتان  كشقائق النعمان ضمن رحم واحد آبي  لن يفصل بيننا في العمر سوى عام واحد إلا شهرا فكنت ذات الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر عني منصرفين .


فقد دأب أبي وأمي منذ نعومة أظفارنا على اعتباري خليفتهم في ولاية أمر أختي دلال رغم فارق العمر الهزيل  بيننا ، لما وجدا عندي من ثمار النضج العقلي الباكرة  والاعتماد على النفس وحسن التصرف رغم سنوات عمري الغضة الخضراء .


ولا أنكر سعادتي الساذجة  بتلك الثقة الزائدة منهما في شخصي الصغير والتعامل معي على أساس أنني الشخصية الاعتبارية الواعية الحكيمةو التي تخالف حقيقتي حينها ،ولكني كنت أفتخر بنفسي كثيرا حين أصبحت  لي  حرية  تصريف أموري وأمور أختي الصغيرة من طعام وشراب ومداعبة.وملاعبة، حتى وصل الأمر بهما لتركها في رعايتي بالمنزل عند الخروج من المنزل .


وحين زحفت عقارب الزمن نحو الرابعة عشر من عمري شعرت أنني بعت طفولتي بثمن بخس وارتديت ثوب الأمومة الذي لا يتناسب مع طفولتي .


.فمازالت بداخلي تلك  الصغيرة التي تحلم بتحرير ضفائرها عبر نافذة سيارة والدها ،و تعلو ضحكاتها وهي تدفع الهواء بكفيها الصغيرتين دفعا لتثبت أنها الأقوى 

مازال بداخلي حنين جارف  للقفز   كفراشات الروض تشاكس شعاعات الشمس .


مازال بداخلي شعور أنني أحبو نحو الدنيا اتحسس الخطى  وترتعد قدماي فاتطلع نحو والدي ليمسك بيدي كي لا أقع  

مازلت أتذوق طعم طفولتي ، وأنعم بعبثها  وخبثها المحبب.


ذلك الخبث الفطري الذي أتاح لأختي الصغيرة معرفة قيمة تواكلها وجعلي العصا التي تتوكأ عليها ويكون لها فيها كل المآرب فتصير مع الأيام  أكثر اتكالا ودلالا .


ومع مرور السنوات ونحن على أعتاب المراهقة بدا الفارق بيننا واضحا للعيان فهي المتدللة المدللة  التي لا تلقي بالا لشئ ولا تتحمل عبء شئ حتى متطلباتها الشخصية .


وأنا الحمول المثول لكل أمورنا المشتركة من أداء واجبات مدرسية ومواعيد الدروس و التمارين الرياضية بالنادي، حتى مناسبات أعياد ميلاد الأصدقاء  وهداياهم وهكذا صرت الأم ذات الرابعة عشر ربيعا .


ورغم كل ذلك حظيت دلال بوافر الرعاية والاهتمام والتدليل من أبي وأمي بدعوى أنها لا تعرف شيئا ولا تستطيع القيام بشئ وبالتالي لابد أن يقوما عنها بكل شئ في حين لا يلقون بالا لوصال التى اعتادت أن تحمل وتتحمل ولا تتجمل وتثبت جدارتها في كل المواقف ومن ثم هي لا تحتاج ليد المساعدة .

مرت السنوات وحملتني ودلال لصفوف الجميلات الأولى فصرنا  من الزهرات اليانعات  اللائي يستقي منهن الجمال جماله  ويلفت نظر القريب والغريب  والعدو الحبيب ، حتى جاء اليوم الذي وثق تاريخه  بمداد الدم ، حين كنا نستعد جميعا لرحلة خلوية برفقة أبي وأمي وتوليت كالعادة حمل مستلزمات الرحلة إلى السيارة وترتيبها ورغم ضيقي من ذلك إلا ان سعادتي كانت ترف حولي لتبشرني برحلة ممتعة أرى فيها ما لم أراه من قبل .


لم تنتبه حواسي المحلقة مع أحلامي  لسيارة مارقة تندفع من الاتجاه المعاكس كأنما أصابها مس من الجن انتزعتني من الأرض انتزاعا لأحلق عاليا ثم ارتد مرة أخرى  للأرض  لم أشعر إلا بصوت ارتطام عظامي وتفتتها وتناثرها كحبيبات الزجاج المسرطن خارج جسدي ، ثم شعرت بخيوط شعري تغرق في سائل سخين ساخن يندفع من رأسي متدفقا نحو وجهي ليسدل ستارا بين عيني والحياة

ورغم الضجيج والضوضاء المتلاطم حولي شق صدري صوت   صراخات أمي وأبي الفزعة. وهما يهتفان  دلال .... دلال 

كانت طعنات صراخهما أشد ألما من آلام عظامي ، ومن ألم ذلك الشهيق العنيد الذي يأبى أن يعبر لصدري .

 

وكأنما أبي وأمي قد آلا علي نفسيهما أن يشعراني بوجودي في نهاية وجودي  فأدركت أنه لا معنى لوجودي واحتضن جفني جفني مستسلما لذلك القادم ودفعت دمعة من عيني تلك الدماء الثخينة ليكون الوصال الأخير .

google-playkhamsatmostaqltradent