مفهوم الاستقامة بين سطور القرآن الكريم
أعداد - علاء الدين عبد الرحمن
الأربعاء 10 نوفمبر 2021 11:45 م
استوقفتني آيه هى العلاج لكل ما نحن فيه مع مفهوم الاستقامة
يقول الحق تبارك وتعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ * نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت 30: 32]
رَوَى الإِمَامُ مُسلِمٌ في صَحِيحِهِ عَن سُفيَانَ بنِ عَبدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لي في الإِسلامِ قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا غَيرَكَ. قَالَ: "قُلْ: آمَنتُ بِاللهِ ثُمَّ استَقِمْ".
فَانظُرُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- إِلى هَذِهِ الوَصِيَّةِ الجَامِعَةِ، المُبَيِّنَةِ لِهُوِيَّةَ المُسلِمِ الَّتي يَنبَغِي أَن يَحيَا عَلَيهَا وَعَلَيهَا يَمُوتَ، وَهِيَ الاستِقَامَةُ الحَقَّةُ دُونَ عِوَجٍ وَلا انحِرَافٍ وَلا تَخَاذُلٍ وَلا تَرَاجُعٍ، الاستِقَامَةُ الجَامِعَةُ لأَركَانِهَا وَرَكَائِزِهَا الثَّلاثِ: استِقَامَةُ اللِّسَانِ وَالَّتي دَلَّ عَلَيهَا قَولُهُ: "قُلْ: آمَنتُ بِاللهِ".
وَاستِقَامَةُ القَلبِ وَالجَوَارِحِ وَالَّتي دَلَّ عَلَيهَا قَولُهُ: "ثُمَّ استَقِمْ" ذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّدَ الادِّعَاءِ بِاللَّسَانِ لا يُعَدُّ استِقَامَةً أَصلاً، كَمَا أَنَّ الاستِقَامَةَ بِالجَوَارِحِ وَالقَلبُ خَالٍ مِنهَا لا يُعَدُّ استِقَامَةً أَيضًا، وَقَد عَابَ اللهُ قَومًا ادَّعَوُا الإِيمَانَ فَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تُؤمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُم) [الحجرات :14]
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعلَمُوا أَنَّ المُشكِلَةَ الكُبرَى وَالمُصِيبَةَ العُظمَى أَن يُكَذِّبَ فِعلُ المَرءِ دَعوَاهُ، أَو تَكُونَ حَالُهُ مُخَالِفَةً لِمَقَالَهِ (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات:15] (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [الأنعام 153]
وَإِنَّنَا لَنَعلَمُ -أَيُّهَا المُؤمِنُونَ- أَنَّ الاستِقَامَةَ تَحتَاجُ لِجِهَادِ نَفسٍ، وَطُولِ نَفَسٍ وَمَزِيدِ اجتِهَادٍ، وَأَنَّ دُونَ بُلُوغِ الكَمَالِ فِيهَا صِعَابًا وَعَقَبَاتٍ، غَيرَ أَنَّ هَذَا لا يُعفِي مِنَ السَّعيِ في تَحصِيلِهَا وَبَذلِ الوُسعِ في إِقَامَتِهَا في وَاقِعِ الحَيَاةِ، مَعَ استِحضَارِ السَّدَادِ وَالمُقَارَبَةِ؛ لِقَولِهِ -سُبحَانَهُ-: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم) وَقَولِهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلاةُ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَابنُ مَاجَهْ، وَفي الصَّحِيحَينِ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبشِرُوا".