اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

قصة " الدور الخامس شقة خمسة "

الصفحة الرئيسية

 قصة

" الدور الخامس شقة خمسة " 



بقلم/ منال خليل


دق جرس الباب وكانت تعلم أنه "سليم ".. أتي قبل موعده بإثني عشرة دقيقة..

كانت تشعر بحضوره دائماً  و كأنه يعبر  الأجواء إليها مجتازاً الأبواب .. 

ربما كان متعجلاً لرؤيتها لإنهاء تبعيات ماحدث أو قلبه ساقه .. أو لسبب آخر يحتفظ به لنفسه ، فهو كان دائم الغموض..  لم تستطع "حبيبة" تخمين نواياه أبداً..

نظرت لوجهها الذي يشرق له وحده بمرآه المدخل و رتبت خصلات الشعر الهائم به دوماً... ثم فتحت الباب، كانت جميله ذلك الجمال البري البكر  .. متوسطة الطول رشيقة ..ذات شعر أحمر مجعد يعانق منتصف الظهر  على بشرة ذهبية و خصر دقيق .. جسد نابض بالحياة و عيون ذات رموش مرفوعة تطول الحاجب.. 

سليم  مهندس ببدايه الخمسين طويل ، ممشوق .. أنيق ببساطة .. أسمر جميل الي حد ما و لكنه جذاب الشكل و الشخصية.. 

كان يحمل باقة زهور يعلم تماماً انها المفضله لديها ، خجولا كالعاده او محتفظ بابتسامه وهميه، يبدو أنه كان ينوي احتضانها و لكن متردد من رد فعلها.. بعد آثار فعلته !! 

" حبيبة " كانت دائماً  ما تتعطر بعطر خاص بها يسيطر على حواسه كان يعشقة منها  فيرتبك أكثر عند السلام ..  حيته بابتسامه تملك من الأنوثة أجملها  و افسحت له الطريق بدون حديث و لكن العيون باحت فيه بالكثير ... 

تقدمته لبهو بيت بالدور الخامس و كأنه يجاور القمر .. الشقة ذات طابع كلاسيكي يتوافق مع شخصيتها  تماما .. كانت حبيبة تقارب نهاية الأربعين , تليق أكثر بزمن الهوانم  .. لمساتها الشخصية بكل الأركان ..  تصميمات ورق الحائط , طريقة تنسيق الاثات , الكريستال حتى أختيارها الأنيق للوحات  و التابلوهات ، البيت يشع دفئ و حميمية ... يتجلى أكثر في وجود جاسر و صحبتهم معا ..

البهو ارضه خشبية يغطيها سجاد اصفهان عتيق مرتب بشكل محايد  ، كان وجودها يضفي سطوة و عبق خاص عالمكان مع أنسياب موسيقى هادئة و الكثير من الشموع يفوح منها رائحه  الفانيلا و السكر . 

فتحت حبيبة ستاره شرفة تطل علي حديقة  و أشجار مزهرة ... ثم  استدارت تواجهه بنعومة تسأله بأنوثة عفوية تطل من عينين أعتاد فيهما الدلال :

  ـ  قهوة  ؟؟

  ـ  أجابها سليم : من فضلك..  وهو ينظر اليها بشهوة المنتصر و هي تبتعد  ..

-  كان قد سبق له ان استهدف كل مواطن الضعف فيها ... و شن الحرب على كبريائها و استنزف مشاعرها تماما.. لتستسلم و تُسلم بعنفوان حضوره بحياتها حتى بالغياب.. ولم يكن يعلم انه بكل مره حاول فيها كسب جوله على حساب حبها له،  كان يقوي عندها فضيلة البُعد ...حبيبة كانت كحجر الألماس تلمع قوة و نُدرة و جمالاً و سيطرة مشاعرها تجاهه عليها  و الأنتظار و تواتر القرب و البعد مع الوقت أجهدها ، و هال عليها كثيرًا من تراب القسوة فطفاها ...

بعد مناوشات بالعيون و تردد هادر ... بهدوء شديد  أعاد سليم فنجان القهوة لمكانة و هو ينظر بعيون حبيبة الحزينة..  متوسلاً، و بادرها و هو يمسك يدها :

ـ  أطلب سماحاً و مُهلة أخرى  ... 

ـ  مهلة أخرى .. إلى متى  !! 

سليم ألن ينتهي هذا الإنتظار و السكون ؟

ـ  أنتظريني دوماً .. حتماً سأعود ، أنا لم أغادرك أبداً .. فجسدي فقط هو من يرتحل , حبيبتي لم أنقطع يوما عن الأتصال و التواصل معك .. وان حاولت قلبي يغالبني .

- دموع حبيبة تدق على كفه وهي تقول : و ماجدوى كل  هذا التواصل و الأنتظار ! 

ـ أعدك لن يطول هذه المره و ستُزهر حديقتنا فرحاً ونسمات من جديد ، و تسكنين منتصف صدري كما تحبين  ...

ـ  سَأمت الوعود ,لقد غادرت أرضي و سمائي مرات و مرات  ..  و أنا كما أنا .. مازلت أسيرة حديقة أنتظارك كالصبار ..

ـ   حبيبة أنت وطني  أينما توجهت .. أقسم أن روحي لم تغادر روحك و قلبك و كأنها تحولت لهالة تحيطك و أشعر بروحك تملأني و الحديث بيننا لا ينقطع داخل رأسي .. و أني أكاد أجن من  غربتي بأي أرض خطوتك لا تجاور خطوتي فيها .

ـ فما حاجتك إذن بسماء وأرض أُخرى دوني ! 

أقترب سليم منها متودداً : ليس لي حاجة بالكون و مافيه دونك ..و لكنه قد يكون قرباً من نوع آخر  شوق و شعور آخر و أختبار آخر و أخير...   أمهليني قليلاً و سَأُهديكي عُمري .

حبيبة صرخت باكيه ...

  _ لا أُريد عمرك ، أريد ظِلَك . 

أقترب سليم أكثر محاولا طمأنتها قائلا: 

ـ  و أنا أريدك كلك .. وطناً و سكناً و مُستقر . 

-  أستعطفته حبيبة بكل مافيها من حب و عناد و أصرار 

_ إذن لن أنتظر أكثر .. يا عودة بلا غياب .. أو رحيل حقيقي  !! 

ثم اعتدلت حبيبة بجلستها و قالت مُستدركة :   أريد أن أعيش معك حقيقة  و ليس بعالم أفتراضي .. سليم أتمنى أن أموت زوجتك ، لأحيا معك  و أبعث معك من جديد ..فهذه الحياه بكل مافيها لن تكفينا... بعد  مرور كل هذه السنوات و المشكلات و التحديات  طبقاً لظروفك أنت .. 

دائماً أنت أولاً..  أني أستحق حياة كاملة لطالما أختبرناها و نحياها معاً بالفعل .. لن أتحمل بُعدا أو فراقاً آخر.. و لك أن تقرر الآن .

-أعتدل سليم بمجلسه يفكر بعمق و هو ينظر لحبيبه بعين قلبه و يستعيد محاولات فشل الفراق ثم راوده شعور قوي بأن يجتاز هذه المرحلة المتردده اللتي تمنعه من أتخاذ قرار قد يكون صائب منطقيا و لكنه أصبح غير مُجدي الآن ..فقرر أن يعلن الحب و الحرب على كل ما يعترض وجودهما معاً و يتخذ هذه الخطوة ... شعر أنه يريد أن يختلي بنفسه ليرتب أوراقه بما يليق بتكليل كل هذه المشاعر و الحب الذي يعلم إنه لن يتكرر .

- كانت حبيبه تنظر اليه مترقبه وجله هادئة بمكانها .

حتى فاجأها سليم بأبتسامة رائعة

و هو يأخذها لصدره وقبل جبينها مرات قائلا: إذن موعدنا عند إشراقة أول شعاع شمس تطل على أطراف هذا  الشعر الغجري  . كيف لي أن أرحل و أنتِ الرفيقة و الجميلة ..  الأم و الصديق و المَرجع !!  

فأن أستطعت أن أغادر كل هذا.. فكيف أغادر الروح فيكي يا الحبيبة !! 

-  ضحكت حبيبة منطلقة و هي تقفز كالطفلة حولة.. 

_  غداً صباحاً.. أذهب الآن و عُد غدا .. 

أنا و الشمس و دنياي سنكون بأنتظارك .. لن أصحو ألا على عيناك و أنت من ستعد لنا قهوة الصباح... 

فأنت دائما بداية كل حاجه و أجملها .. غدا بدايتي.. و نهاية أي حاجة تفصلنا، تحرمنا أو تبعدنا ، غدا زفافي عالفرح و مُنتهاه .. 

- غادر سليم شاردا بعد أن قَبّل باطن كفيها مُتحصناً بالسعادة التي تملأ عيونها، و عقله يراجعه.. 

_ أي صباح هذا الذي يشرق بدونها و اي حياه هذه في البعد عنها ، فضلاً عن خوف ينتابه من تدهور حالة حبيبة مره أخرى و هو لا يستطيع مع البعد و الشوق صبرا.... 

رفع سليم عينه للسماء راجياً : يا الله ساعدنا .. فحياتي و يومي يبدء معها و ينتهي عند أعتاب صوتها ولا أريد أن أتخلى  !!

و لكن هل حقاً سيفي و يوافيها غدا و بلارحيل آخر ؟؟ 

"فأنه كان ممن يكتمون العشق خجلا في ثنايا الروح و كأنه ليس من حقه أن يعيش محبا و محبوباً " . 



google-playkhamsatmostaqltradent