" التعزيز الإيجابي في علم النفس "
ترجمة د. محمد السعيد أبو حلاوة
" التعزيز الإيجابي في علم النفس "
ترجمة د. محمد السعيد أبو حلاوة
تقديم : سوزان سعد
الثلاثاء 14 فبراير 2023م 9:15 PM
" التعزيز الإيجابي في علم النفس "
ترجمة د. محمد السعيد أبو حلاوة
أستاذ الصحة النفسية - كلية التربية
جامعة دمنهور
ربما تكون قد قرأت عن
"العقاب"
punishment
"العقاب الإيجابي"
positive punishment
كطريقة من طرائق تشكيله سلوك البشر وربما ضبطهم والتحكم فيهم هذا من منظور ما يمكن تسميته واعية رجل الشارع العادي، وطبيعي أننا وبحكم العادة نوظف تأثيرات العقاب وأساليبه في عمليات التنشئة الاجتماعية وأيضًا في فعل والتعليم والتعلم لكننا نركز فيه وبصورة جوهرية على ما يعرف ب "الكف السلوكي"
أي منع الشخص من القيام بأفعال
أو سلوكيات غير مرغوبة أو مستهجنة كأن العقاب نقطة التركيز فيه "حذف جزء من الرصيد السلوكي المختل تكيفيًا"
من التكوين النفسي للشخصي سواء كان حركة أو أداء أو كلمة أو غيرها.
في المقابل فإن التعزيز الإيجابي على وجه التحديد قوامه ونقطة تركيزه بعد أن يتم تضفير فنياته في التنشئة الاجتماعية وفعل التعلم والتعلم تعليم وزراعة وتقوية عادات وسلوكيات جيدة وإيجابية وظيفية وتكيفية؛ ومن ثم من المهم جدًا بالنسبة للآباء والمعلمين تعلم طرائق توظيف أساليب وفنيات التعزيز الإيجابي في سياق ما يعرف في أدبيات المجال "التعلم القائم على الاشتراط الإجرائي
Operant Conditioning based Learning
على وجه التحديد.
وتأسيسًا على ذلك ستتضمن مجموعة من المقالات تتبع بعضها البعض بالعناصر التالية:
- أولاً- ما معنى التعزيز الإيجابي؟
- ثانيًا- سيكولوجية نظرية التعزيز الإيجابي أو الموجب؟
- ثالثًا- ديناميات عمل وتأثيرات التعزيز الإيجابي؟
- رابعًا- التعزيز الإيجابي: دراسات وبحوث خمس حقائق وإحصائيات أساسية.
- خامسًا- ما تأثيرات التعزيز الإيجابي على التعلم؟
- سادسًا- الوالدية أو أساليب المعاملة الوالدية باستخدام التعزيز الإيجابي.
- سابعًا- فنيات استخدام التعزيز الإيجابي مع الكبار.
- ثامنًا- التعزيز الإيجابي والدافعية.
- تاسعًا- خمسة فيديوهات موصى بمشاهدتها في المجال.
- عاشرًا- سبعة كتب يوصى بقراءتها في المجال.
- إحدى عشر- 11 مقولة مأثورة.
- اثنا عشر- رسائل وخاتمة.
- ثلاثة عشر- المراجع.
وفيما يلي تناول لهذه العناصر
- أولاً- ما معنى التعزيز الإيجابي؟
يشير التعزيز الإيجابي ببساطة شديدة تقديم مثيرًا مرغوبًا أو سارًا ومبهجًا بعد قيام الشخص بفعل أو سلوك أو استجابة معينة.
ويعمل هذا المثير أو "التابع أو اللاحق
أو الناتج هذا" على تعزيز السلوك أو الفعل أو الاستجابة المرغوب فيها مما يزيد من احتمالات تكرار هذا السلوك أو ذلك الفعل أو تلك الاستجابة في المستقبل.
ويمكن تضمين أساليب وفنيات التعزيز الإيجابي بصورة تلقائية في بنية طرائق المعاملة الوالدية والتربية الوالدية الإيجابية
positive parenting
في سياقات أسرية وتعليمية ولتحقيق أغراض متنوعة في إطار ترقب ورصد السلوكيات الجيدة والإيجابية التي تصدر عن الطفل أو المتعلم والتدخل بصورة تلقائية واعية لتعزيز هذا السلوك علاوة على التدريب على كيفية استخدام أساليب وفنيات التعزيز الإيجابي.
- ثانيًا- سيكولوجية نظرية التعزيز الإيجابي أو الموجب
فيما يبدو ظاهريًا أن مفهوم التعزيز الإيجابي فكرة بالغة البساطة، إلا أن الأمر فيما هو متعارف عليه بين أهل الاختصاص يتطلب تخصصًا وتدريبًا مهنيًا نوعيًا في إطار ما يعرف بآليات تقنيات تعديل السلوك للتمكن من توظيف أساليب وفنيات التعزيز الإيجابي في عمليات التعليم والتعلم، خاصة وأنه من المألوف اعتبار العقاب طريقة مشروعة ويسيرة في التدريس أو التعليم سواء أثناء تعليم الأطفال معارف أو مهارات أو غيره.
وواقع الحال أن "التعزيز الإيجابي"
ما هو إلا نمطًا واحدًا من بين أربعة أنماط للاشتراط الإجرائي كما ابتكره وطوره اختصاصي علم النفس السلوكي بورهوس فريدريك سكينر
Burrhus Frederic Skinner
أو نموذج سكينر السلوكي
behaviorist B. F. Skinner’s model.
وفيما يلي تناول موجز للفكرة الجوهرية في هذا النموذج:
1- إطلالة مختصرة على سيرة بورهوس فريدريك سكينر
Burrhus Frederic Skinner
ونموذج الاشتراط الإجرائي
Operant Conditioning Model:
الجدير بالتنويه أن نموذج الاشتراط الإجرائي لسكينر تأسس على افتراض جوهري شديد الوضوح يتمثل في أن دراسة "سبب السلو وتداعياته أو لواحقه أو ما يترتب عليه من نتائج" الطريقة الأكثر ملائمة لفهمه وضبطه وتنظيمه
أو بالأحرى إدارته.
وترتبط هذه الرؤية وذلك التصور بأحد القوانين الرئيسية للتعلم من مدخل نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ لإدوارد لي ثورندايك
Edward Lee Thorndike
وهو "قانون الأثر
law of effect"
ومفاده أن "السلوك الذي يليه أو يعقبه نواتج
أو لواحق أو تداعيات سارة مرغوبة
أو مبهجة أكثر يصبح أبقي أثرً وأقل عرضة للنسيان وأكثر احتمالاً للتكرار في المستقبل، بينما السلوك الذي يليه أو يعقبه تداعيات أو نواتج أو لواحق سيئة منفرة أو سلبية غير مرغوبة يصبح أقل أثرًا وأكثر عرضًة للنسيان وأقل احتمالاً للتكرار في المستقبل"
(McLeod, 2018)
ويتضمن نموذج سكينر عن التعلم القائم على الاشتراط الإجرائي أو الوسيلي
أو الأداتي أربعة طرائق للاشتراط
أو الارتباطات الاشتراطية تتمثل فيما يلي:
أ- التعزيز الإيجابي
Positive reinforcement
ويعبر عن تقديم مثير أو حدث أو ظرفًا
أو شيئًا سارة وإيجابية ومبهجًا عقب قيام الشخص بفعل أو سلوك ما ويعمل على تشجيع ذلك السلوك وتقويته.
ب- العقاب السالب أو السلبي
Negative punishment
ويقدم بموجبه للشخص مثيرًا أو ظرفًا
أو حدثًا أو شيئًا غير مرغوبًا فيه لإضعاف
أو كف أو عدم تشجيع قيامه بسلوك أو فعل أو أداء أو استجابة ما غير مرغوبة.
ت- التعزيز السلبي
Negative reinforcement
إبعاد أو إزالة مثيرًا
أو شيئًا غير مرغوبًا عقب قيام الشخص بفعل أو أداء أو استجابة إيجابية وتكيفية وذلك لتشجيع وتقوية هذه الاستجابة
أو ذلك السلوك والفعل.
ث- العقاب السلبي
Negative punishment
ويعرف أيضًا بالإخماد
أو الإطفاء ويتم بموجبه إزالة مثيرًا مرغوبًا وإيجابيًا عقب إتيان الشخص بسلوك
أو فعل أو استجابة مستهجنة وغير تكيفية بغرض إضعاف وكف هذا السلوك
أو ذلك الفعل أو تلك الاستجابة.
ويمكم أن تستخدم هذه طرائق الاشتراط الإجرائي الأربعة هذه في التعليم والتدريب وضبط وإدارة السلوك.
2- التعزيز الموجب أو الإيجابي في مقابل العقاب الموجب أو الإيجابي
Positive Reinforcement vs. Positive Punishment
رغم أن كلتا الطريقتين يسبقهما كلمة "إيجابي" إلا أن كلمة إيجابي هنا لا تعني "جيد أو حسن"، فكما أشير سابقًا يشير التعزيز الإيجابي إلى تقديم مثيرًا مرغوبًا مثل مكافأة لتشجيع السلوك الحسن
أو الجيد أو المقبول والمرغوب، على سبيل المثال يتم الثناء على الطفل ومدحه علنيًا عندما يتعامل بطريقة مهذبة مع شخص غريب.
على الجانب الآخر يتضمن العقاب الموجب أو الإيجابي تقديم مثير غير مرغوب
أو منفر مثل العقاب لكف أو عدم تشجيع سلوك ما أو استجابة محددة، مثال صفع الطفل بخفة عندما يكون وقحًا مع شخصٍ غريبٍ.
3- التعزيز الإيجابي في مقابل التعزيز السلبي
Positive Reinforcement vs. Negative Reinforcement:
القاسم المشترك أو الخاصية المشتركة بين كل من التعزيز الإيجابي والتعزيز السلبي أن هدفهما واحد وهو تثبيت وتقوية وتشجيع سلوك أو استجابة أو فعل سوي وتكيفي ما، ولكن بطرائق مختلفة.
ففي حين أن في التعزيز الإيجابي يتم إضافة أو تقديم مثير مرغوب في الموقف، فإن الأمر في التعزيز السلبي هو إزالة
أو إبعاد مثيرًا غير مرغوبًا، رغبة في تعزيز السلوك الذي يظهره الشخص.
على سبيل المثال إن سماح أحد الوالدية لابنه باستعارة سيارة الأسرة عندما يحصل على درجات مرتفعة في الامتحانات يعد تعزيزًا إيجابيًا، كما أن قيام أحد الوالدين بحظر استخدام بإزالة حظر تجول
أو تحرك ابنه عندما يحصل على درجات جيدة يعد تعزيزًا سلبيًا، بمعنى أن نجاح ذلك الابن وحصوله على درجات مرتفعة أعقبه إزالة مثير منفر أو غير مرغوب.
4- هل التعزيز الإيجابي فعال
Is Positive Reinforcement More Effective?؟
جدير بالتنويه أن أنماط الاشتراط الإجرائي الأربعة المتضمنة في التعلم القائم على الاشتراط الإجرائي طرائق صادقة وفعالة في مجالي التعليم والتدريس والتدريب، إلا أن فاعلية كل نمط تتوقف أو تعتمد على السياق الذي تستخدم فيه.
على سبيل المثال قد يتصور البعض أن "العقاب السلبي" ربما يكون أكثر فاعلية مقارنة "بالعقاب الإيجابي"، أو "حتى "التعزيز الإيجابي" كأسلوب مفضل
أو اختيار مفضل لكف السلوكيات المستهجنة بصورة فورية ربما بداعي الخوف.
إلا أن ما يمكن الإشارة إليه أن كل هذه الأنماط تتوقف على طبيعة الشخص الذي تحاول تعليمه وعلى طبيعة السلوك الذي يظهره، وعلى نوعية الناتج المرغوب الوصول إليه، فالتعزيز الإيجابي أكثر فاعلية عندما لا يتم منح الشخص الذي تقوم بتعليمه أو تدريبه مثيرًا مسيئًا نتيجة سلوكه بل تقديم تدعيم وتوجيه وإرشاد في إطار تحسين روابطك وعلاقاتك معه في نفس الوقت، الأمر الذي يجعل التعزيز الإيجابي الاختيار الأوفق في تعليم وتدريب الأطفال على السلوك الجيد.
5- أنماط التعزيز الإيجابي
The Types of Positive Reinforcement (Cherry, 2018):
بالإضافة إلى الطرائق أو أنماط التعليم والتدريب الأربعة القائمة على نظرية الاشتراط الإجرائي، يتضمن التعزيز الإيجابي أربعة أنماط فرعية ، يتم التمييز بينها بناء على نمط المثيرات الإيجابية التي تعرف باسم المعززات
reinforcers
التي تستخدم على النحو التالي:
أ- المعززات الطبيعية
Natural reinforcers
وهي المعززات التي تحدث مباشرة كنتيجة للسلوك مثل التلميذ الذي يذاكر بجد واجتهاد ويؤدي بصورة جدية في امتحاناته يحصل بصورة مباشرة على درجات مرتفعة.
ب- معززات اقتصاديات البونات
أو "الرمزية"
Token reinforcers
: والتي تتمثل في مكافأة أداء سلوكيات معينة ويمكن أن تتغير بأشياء ذات قيمة أو ذات أهمية للشخص مثل وضع الآباء لنظام لمكافأة طفله يكتسب بموجبه ما يعرف برصيد للنجوم أو النقاط ثم يحفظها ويتسلمها للحصول على مكافأة محددة.
ت- المعززات الاجتماعية
Social reinforcers:
وتتضمن هذه المعززات تشجيع الآخرين واستحسانهم لسلوك معين مثل أن يقول الأب أو المعلم أو المدير عمل جيد أو عمل ممتاز عندما يجيد الطفل أداء سلوكًا مرغوبًا.
ث- المعززات العينية أو الملموسة
Tangible reinforcers
وهي عبارة عن مكافآت مادية أو ملموسة وعيانية وفعلية على سبيل المثال المال، اللُعب، الحلوى والكرز...الخ.
من جانب آخر يجدر التنويه كما هو متوقع أن فعالية المعزز تعتمد على السياق الذي تستخدم أو تقدم فيه، وغالبًا تكون المعززات الطبيعية والعيانية هي الأكثر فعالية، ومع ذلك فإن المعززات الاجتماعية لها قوة تأثيرية بالغة الأهمية، في حين أن المعززات المرتبطة بالنقاط أو اقتصاديات البونات "النجوم والنقاط القابلة للاستبدال بمكافآت عيانية" أكثر فائدة وأكثر فاعلية في التعامل مع الأطفال.
6- 5 أمثلة للتعزيز الإيجابي في الممارسة أو الفعل
5 Examples of Positive Reinforcement in Action:
ربما التعزيز الإيجابي أكثر أنماط طرق الاشتراط الإجرائي استخدامًا، ويوجد عددًا من الأمثلة المألوفة في هذا الصدد منها ما يلي:
أ- تقديم مدرب السيرك للكلب مثلاً قطعة من الأكل "البسكويت" عندما يؤدي حيلة
أو خدعة أو استجابة أو سلوكًا بارعًا.
ب- تقديم الأب قطعة من الحلوى لطفله عقب قيام الطفل بجمع لعبه وترتيبها ووضعها في مكانها بعد انتهائه من اللعب بها.
ت- توزيع المعلم لنجوم على الأطفال الذي يجيبون أو يحلون الواجبات المدرسية في الوقت المحدد.
ث- قيام ربة منزل بقول تعبير "عمل رائع" عندما تنتهي ابنتها من أو سيدة من غسيل الأواني في المطبخ.
ج- تقديم مدير عمل علاوة لموظف أو عمل أجاد عمله وأنجز فيه أكثر من المتوقع.
• المصدر
Courtney E. Ackerman (2019). Positive Reinforcement in Psychology (Definition + Examples. Scientifically reviewed by Tiffany Sauber Millacci, Ph.D. VeryWell home Page:
https://positivepsychology.com/positive-reinforcement-psychology/